الإنترنت الدماغ الاصطناعي الكبير

الإنترنت الدماغ الاصطناعي الكبير

الكتاب : حميد علي البادي

أثناء تواجدي في موقع بناء تقدم منى أحد العمال طالباً مساعدته لشراء تذكره لأخيه المتواجد في دولة أسيوية، هذا العامل كان قد رآني في يوم سابق أحمل كمبيوتر صغير “لاب توب” موصول بالإنترنت، فعلم أنه بإمكاني أن أوفر عليه الوقت ومصاريف إرسال الأموال إلى أخيه، أخرجت جهازي واشتريت له التذكرة بالبطاقة الائتمانية من موقع أحد شركات الطيران بعد أن “تسوقنا” في السوق الرقمي لشركات السفر، واخترنا الأرخص والأنسب وأرسلناها إلى أخيه الموجود على بعد آلاف الكيلو مترات عنا خلال خمسة عشر دقيقة ونحن لم نبارح موقع البناء. الذي أدهشني في الموقف هو شيوع استخدام تطبيقات الإنترنت بسرعة كبيرة فاقت كل التوقعات لدرجة أنها أصبحت تستقطب من كانوا يعتبرون أميون تكنولوجيا، كما استشعرت القوة الجبارة في هذا الاختراع ذي التطبيقات غير المحدودة التي بدأت تنقل الإنسان إلى مرحلة جديدة من حضارته وتطورها.

قد لا تقل أهمية اختراع الإنترنت عن اختراع الإنسان للكتابة، فالكتابة له نقل أفكاره عبر الزمن، أما الإنترنت فهو ناقل للأفكار عبر المكان بسرعة الضوء كاسراً الحواجز والحدود، كما ساهم في تسارع التطور في كافة المجالات، لأنه نقل الأفكار الثمنية الخلاقة بين التجمعات السكانية حول الكوكب، فأي اختراع يقوم به فرد متواجد في طرف من الكوكب سرعان ما يسمع به من هم في الطرف الآخر من الكوكب في الوقت نفسه تقريباً مما قد يلهمه في بناء فكرة جديدة اعتمادا عليه.

الإنترنت يشبه الدماغ البشري في عمله، وكل جهاز كمبيوتر في الشبكة تمثله خليه عصبية في الدماغ، والجميل أنه يعمل طوال الوقت، فحتي لو توقف كمبيوتر واحد أو حتى 10 مليون منها، فهو يمثل جزء بسيط من مئات الملايين من الناس المتصلون به، وحتى لو توقفت بعض خلاياه بإمكانه الاستمرار، بل أن هناك من البشر من يستطيع الحياة بنصف تلك الخلايا.

الفرق بين الدماغ والإنترنت أن الدماغ للرجل البالغ لا ينمو ولكن الإنترنت في نمو متسارع، فأعداد المستخدمين يتضاعف كل سنتين تقريبا، وفمن الصعب تقدير عدد الأجهزة القادرة على الاتصال بالإنترنت كون أن هناك منها ما هو متصل على الدوام والآخر حسب الحاجة، وهي لا تقتصر على أجهزة الحواسيب التقليدية بل تشمل الهواتف وأجهزة الآلعاب والآجهزة المصرفية وغيرها..، وهناك ما يقارب 10 18 معالج بيانات (ترانزستور) حول العالم في عام 2007م تقوم بما يقار 100 بليون نقرة في اليوم، كما يقول الكاتب كيفن كيلي Kelly Kevin ، محرر مجلة الربط السلكي magazine Wired في محاضرة ألقاها في ديسمبر 2007م في كاليفورنيا.

وبما أن الدماغ البشري يحوي حوالي 100 بليون خلية عصبية اقترح الكاتب اعتبار سنة 2007م السنة التي وصلت فيها قدرة الإنترنت قدرة الدماغ البشري بشكل افتراضي وجعل ذلك نوع من وحدة القياس لقدرة الإنترنت في معالجة البيانات، وذلك بمثل ما نستخدم الحصان لقياس قدرة الآلات، وبناء على هذا الافتراض يتوقع كيلي أن قدرة الإنترنت ستتضاعف لتصل إلى قدرة

6 بليون دماغ بشري بعد 26 سنة من اليوم، وأن قدرة شبكة الإنترنت على معالجة البيانات ستفوق قدرة عقول جميع البشر على ذلك عام 2040م.

وحتى لو كان كيفن كيلي متفائلاً بالأرقام التي حسبها، فإنه من الواضح أن الإنترنت سيصبح محور التطور البشري خلال السنوات القليلة القادمة، فمثلاً اليوم لا غني لمستخدمي الإنترنت عن الإيميل، فقد أصبح الوسيط الفعال للتواصل في جميع بيئات العمل الحكومية والخاصة وهناك من الجهات التي يعد منذ سنوات وسيلة رسمية للتخاطب، فقد سهل الإنترنت جهود الباحثين والمعلمين والصحفيين وأصبحت المؤتمرات الفيديوية عبر الإنترنت ممارسة معتادة، والمواقع الإخبارية الإلكترونية تنافس الوسائط التقليدية. أما في التجارة فحصة الإنترنت الاقتصادية تنمو بإطرد مقتطعة من حصة الوسائل التقليدية في البيع والشراء وتبادل الأموال، وهناك الكثير مما يخبئة المستقبل جاعلاً دولا مثل فنلندا واستونيا تتبني قانوناً يقضي بأن الوصول إلى شبكة الاتصالات الدولية هو حق من حقوق الإنسان يجب أن تضمنه الدولة.

ويجعلنا هذا المنحي في التطور البشري نتساءل:

هل البنية الأساسية لشركات اتصالاتنا قادرة على توفير الطلب المتزايد لخدمة الاتصال بالإنترنت بأقل معاناة!! وهل هذه البنية تضمن تدفق البيانات التي يزداد حجمها كل يوم يمر وفي أي وقت وبأحجام تضاهي ما يتوقعه المختصون من تضخم كبير في غضون سنوات قليلة!!

ونتساءل أيضاً: هل هناك معرفة لأهمية وخطورة عدم التخطيط لتغطية هذه الحاجة في المستقبل القريب على الاقتصاد والنمو والتطور في كل مناحي الحياة!! مثل هذا التخطيط ليس ضرورياً فحسب بل هو المفتاح الذي سيفتح لنا القدرة على المنافسة الاقتصادية في هذا العالم المتغير المتجه بقوة نحو التواصل الإلكتروني.

بوستر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *