الحب والعزلة والموت في رواية “رادوبيس”

الحب والعزلة والموت في رواية “رادوبيس”

حاول أديبنا الأكبر الأستاذ نجيب محفوظ في كثير من أعماله تقديم حلول لمشكلات مجتمعه في شكل فني جديد وكأنه يرجع في كل عمل إلى عشقه الأول الذي ينطلق منه وهو الإبداع الذي يشير في جوهره إلى وثوق الذات المبدعة مع القيم أو المثل الأعلى في مجتمعها، وشدة انتمائها إلى ثقافة ذلك المجتمع وقرب انتسابها إلى مؤسساته، فالعمق الاجتماعي يعبر عن مدى الامتداد الثقافي للذات نفسها، ويظهر في إنضاج الحاسة الأخلاقية عنده وإرهافه بحيث يستجيب في عفوية وتلقائية ايجابياً لما هو ايجابي لصالح مجتمعه وثقافته، وسلبياً لما هو غير ذلك، كما يتمثل العمق الاجتماعي في إنضاج الحاسة التاريخية عند المبدع ليس بمعنى إدراك الجذور البعيدة أو الأصول الغائرة لثقافة مجتمعه بل سبر أغوار ثقافته وواقعها واستشراف حركة مستقبلها، وما يتحرك في عمقها من اتجاهات أو توجهات مستكنة أو بازغة أو متحركة إلى المستقبل، إن الذات المبدعة برهافة حاستي (الأخلاقية والتاريخية) في بعديها من حيث الوقائع التاريخية والأسطورية لتستجيب لتصور الآخر الاجتماعي عندها . فنجيب محفوظ من خلال كل أعماله الإبداعية كان واعياً بهاتين الحاستين (الاخلاقية والتاريخية)، فأدبه وإنتاجه الغزير والحاضر بقوة قد تربع به وبلا منازع علي عرش الرواية العربية، رغم أن نماذج من الرواية العربية نتاجاته الأولي ابتداء بالرواية التاريخية وبعدها الاجتماعية ثم رواياته ذات الرؤية الفكرية والتأملية، هي المسؤولة عن هذا التربع، حيث كتب أهم وأغلب أعماله منذ عام 1936 حتى آخر أعماله ” أحلام فترة النقاهة “، منذ قصته التي نشرها لأول مرة ثمن الضعف مروراً برواياته التاريخية حتى أعماله التي تسرد بمهارة منتقاة لتسجل تاريخ الشارع والحارة في الأحياء الشعبية للقاهرة بأسلوب ساحرٍ ومغرٍ ومبدعٍ وكأنه حكواتي الحداثة، بين القصرين وقصر الشوق والسكرية وخان الخليلي وزقاق المدق والقاهرة الجديدة وبداية ونهاية، وفي أغلبها أمسك محفوظ بتلابيب القاهرة قبل وبعد ثورة 1919 حتى ثورة 1952 .فهو بعد أن كتب ثلاث روايات تاريخية هي: عبث الأقدار ورادوبيس وكفاح طيبة ، توجّه نحو الناس الذين يعيش وسطهم ليكون لسان حالهم والمعبّر عن حلمهم ، فكانت رواياته الواقعية والرمزية فيما بعد والتي رسّخت للفن الروائي في الأدب العربي وتوّجته على عرش الرواية العربية .

النرجسية

 النرجسية مصطلح اعتمد على الأسطورة اليونانية نرسيس (نرجس) وكان نرجس يتصف بالغرور، وفي يوم من الأيام أرسل نرجس سيفاً إلى شخص يدعى أمينوس، أحد معجبيه وأكثرهم إلحاحاً ، وقتل امينوس نفسه على عتبة نرجس داعياً الآلهة أن ينتقموا منه. وسمعت الدعاءَ الآلهةُ فدعت أن يقع نرجس في الحب. فآثر في يوم من الأيام الذهاب إلى منطقة يطلق عليها “دوناكون” في إقليم ميساثيبا عند نبع ماء صاف ، ولم يكن قد عكرته الأغنام ولم تكن الطيور قد شربت منه وعندما انثنى نرجس ليشرب وقع في حب الصورة المنعكسة في الماء ، وسرعان ما تعرف على نفسه فظليحملق مفتونا بالصورة الموجودة في النبع ، وأخذ يتساءل كيف يمكنه احتمال أن يمتلك وفي نفس الوقت لا يمتلك؟ . وهده الحزن ومع ذلك فكان يسعد ويفرح في عذابه عالماً على الأقل أن نفسه الأخرى سوف تبقى مخلصة له مهما حدث. أما عن إكو، فبالرغم مما أصابها فإنها اشتركت معه في حزنه ، وكانت تردد ما يقوله نرجس وخاصة في آخر حياته عندما أخذ يردد “خلاص” “انتهى”. عندما كان يغمد خنجره في صدره، وأيضاً آخر آه نطق بها نرجس هي قول ” آه أيها الشقي المحبوب دون جدوى وداعاً ” . وفي الأسطورة نلاحظ أن نرجس عشق ذاته ومن ثم كانت عزلته لأن الإدراك النرجسي للآخرين لا يخرج المدرك من عزلته فما الآخر بالنسبة إليه إلا شبيه صورة كصورة المرآة أو كرجع الصدى ، وهكذا تتحقق في التركيب النرجسي للعلاقة بالغير المعاني الثلاثة المتضمنة في الأسطورة : معنى العزلة ومعنى الحب ومعنى الموت (نرجس يعشق صورته ولكنه يمقتها لأنها ” تشبهه ” وهي – إذاً – ليست إياه أو هو ليس إياها ) فهو أخذ يجري وراء صورته مع ما يصاحب هذا الجري من توتر خاص مذكرٍ الذات والغير على السواء بالحب الذي لا ارتواء له والعداوة القاتلة. كما قام إيريك فروم أيضاً بالتفريق بين مصطلحي النرجسية والأنانية. فالأخير يشير إلى نوع من الأثرة والطمع وهو ما يختلف عن الرؤية المشوهة للواقع الموجودة في النرجسيين والذين قد لا يكونون أنانيين ولكنهم مصابون بحب الذات. وقد يكون الشخص المحب لذاته أنانياً ولكنه قد يكون واقعياً في الوقت ذاته، ويوجه بعض النرجسيين طاقاتهم نحو إخفاء حبهم لأنفسهم حيث يرتدون قناع الخضوع ويشتركون في سلوكيات غير أنانية مثل القيام بأعمال إنسانية عديدة كوسيلة لإخفاء نرجسيتهم. وبشكل عام فإن كل هذا يجعل من الصعوبة اكتشاف النرجسية والتعامل معها. كما نعرف ان النرجسية قد هجرها فرويد لأسباب يزعم انها نظرية ، وتركها معلقة بعد مؤلفه ” ما فوق مبدأ اللذة” ومؤلفة الآخر “الموجز في التحليل النفسي” وهو بالكاد كان يذكرها. وهكذا مضت المفاهيم مثل ضروب الحب الزائلة التي تم اهمالها حينما وجدت ضروبا أخري أكثر جاذبية. وإذا كانت النرجسية قد هجرها فرويد في عرض الطريق تحت ذريعة ان نظريته كانت شديدة التناقض مع نظرية يونج الذي يرى فيه فرويد وريثه الشرعي والذي آثر أن يكون له مثاله الخاص بأفضل من أن يختار فرويد كمثال له. وربما كان ذلك بسبب أن فرويد اكتشف في النرجسية مؤخراً ما يمكن أن يعرض مشروعه للدمار، فأظهر أنها يمكن أن تتهادى من تلقاء نفسها. وكان يرى أن النرجسية هي التوظيف الليبيدي في الأنا، وبالتالي فهي الحب الموجه إلي صورة الذات، وأي موضوع يعكس نرجسية الذات سيكون موضوعاً للحب.

 رادوبيس / التاريخ

 التاريخ المصرى القديم مليء بالقصص والحكايات الأدبية والتى أُخذ عنها العديد من القصص والروايات العالمية، ومن هذه الأعمال قصة رادوبيس الجميلة، والمعروفة فى الآداب العالمية باسم “سندريلا” وهى نموذج لأدب القصة فى الدولة الحديثة، وقد وردت ضمن برديات شستربيتى بالمتحف البريطانى ، والتي وجدت فى مقبرة ” قن حرخبشف” والذى عاش فى عصر الأسرة التاسعة عشرة ..وأبطال القصة هم رادوبيس، ووالدها التاجر سنفرو وأم رادوبيس، وزوجة أبيها وبناتها والأمير.

بوستر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *